يمثل ” قانون الإيجار القديم ” أحد أكبر التحديات التي تواجه السوق العقارية، بل معركة قديمة، حيث تشكل العقارات والوحدات المؤجرة بالقانون القديم جزءا كبيرا من إجمالي العقارات في مصر، سواء كانت وحدات سكنية أو محلات تجارية، الكثير منها لا تقدم مقابل مادي يتماشى مع القيمة الحالية للسوق، هذا بالإضافة إلى عدم استخدام الكثير من تلك الوحدات ووقوفها بشكل غير عامل في السوق، فمازال هذا القانون يمثل معضلة قانونية تؤرق الشارع المصري نظرًا لتضرر المالك من قلة القيمة الإيجارية التي يحصل عليها من المستأجر.

وجاء مقترح برلماني لتعديل ” قانون الإيجار القديم ” وتتمثل هذه التعديلات في منع توريث الأبناء بعد وفاة الأب للشقق المؤجرة إلا في حالة الابن القاصر، وأن يتم العودة لتحديد القيمة الإيجارية للشقق بجرام الفضة كما كان معمولا به في فترة الثمانينات، وانتزاع الشقق المؤجرة والتي مّرعلى عدم استعمالها وغلقها ثلاث سنوات، وتقسيم المحافظات إلى مربعات يتم تحديد الإيجار وتثبيته لمدة عشر سنوات مع زيادة الإيجار كل فترة.
يهدف مشروع ” قانون الإيجار الموحد ” وما نص عليه على تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر والتي طال انتظارها من الكثيرين من الملاك على مدار السنوات السابقة ووضع قانون موحد يعالج كل القضايا العالقة بشأن القيمة الإيجارية والشقق المغلقة، وغيرها.

ويظل التساؤل مطروحًا هل تلك التعديلات ستحسم الجدل القائم على قانون الإيجار القديم ؟ هذا ما يجيب عليه هذا التحقيق

نقاط جوهرية

في البداية، يوضح لنا النائب عاطف مخاليف عضو مجلس النواب ومقدم مقترح لمشروع تعديلات على قانون الإيجار القديم وذلك بمنع توريث وحدات الإيجار القديم للورثة في حالة اجتيازهم الـ18 عاما، حيث إن القوانين الخاصة بالإيجارات والتي كانت منذ 1950 وحتى 1970 تم انتهاكها، بدخول لجان بين المالك والمستأجر، وهذا ما أساء إلى جميع القوانين التي جاءت بعد ذلك، لافتًا إلى أن مقترح التعديل يسرد في نقاطه الجوهرية أن الشقق السكنية لا تورث، موضحًا أنه إذا توفي المستأجر لا يحق لأولاده الانتفاع بالعين المؤجرة بعد اجتيازهم لسن الطفولة وهو ١٨ عامًا.

4 حالات للتوريث

وأكد مخاليف على أن عقد الإيجار وفقًا للقانون الجديد سيكون مفتوحًا حتى وفاة كاتب العقد الأول، وإن السماح لأبنائه بالبقاء في الشقة بعد وفاته سيكون فقط في 4 حالات، للأطفال حتى تنتفي عنهم صفة الطفولة واكتساب الأهلية، ولذوي الاحتياجات الخاصة، وللبنت التي لم تتزوج، وللبنت المطلقة غير الحاضنة، مضيفًا بأن القيمة الإيجارية للشقق تكون حسب لمشروع القانون بسعر جرام الفضة في الفترة الحالية، وذلك لضمان قيمة إيجارية عادلة ومواكبة التغيرات الاقتصادية وتتضخم الأسعار والفارق في القيمة بين الماضي والحاضر.

الإغلاق التام

وأضاف مخاليف إلى أن مقترح التعديلات تتضمن حال الإغلاق التام للعين المؤجرة لمدة 3 سنوات من أجل حماية الثروة العقارية، لافتًا أن الغرض من مقترح التعديلات ما هو إلا إصلاح تشريعي وعلاج ازدواجية القوانين هى التى دفعته إلى أن يعد مشروع قانون موحدا للإيجارات لكى يعالج فيه آلام المستثمر العقارى وأوجاع سكان الإيجار القديم.

حساب القيمة الإيجارية بالمتر

وأوضح مخاليف أن مقترح التعديل يتضمن تقسيم كل محافظة إلى 4 مربعات بالنسبة إلى الساكن الجديد بحيث تقسم حسب الفئات، مثلا تكون الأحياء المتشابهة فى نفس المستوى الإجتماعى مثل مصر الجديدة والنزهة ومدينة نصر والمناطق المجاورة لها مربع سكنى، ويتم وضع قيمة إيجارية لها بالمتر على أن تكون هناك زيادة سنوية فى هذه المناطق 5 % كل 3 سنوات، أما بالنسبة للمناطق الشعبية مثل المطرية وعين شمس والمرج والمناطق المجاورة لها تكون لها مربع سكنى ويتم وضع قيمة إيجارية لها بالمتر، على أن تكون هناك أيضا زيادة سنوية فى هذه المناطق 5% كل 3 سنوات، مشيرًا إلى أن مشروع قانون إيجار القديم ينتظر أن يعرض على البرلمان مع بداية 2021.

 

قيمة إيجارية عادلة

ومن جانبه يوضح المهندس مجدي بدير رئيس منتدى ملاك العقارات القديمة، في حالة وفاة المستأجر الأصلي للعين المؤجرة فمن الناحية الأخلاقية لا يجوز طرد الأبناء، ولكن نحن كملاك كل ما نطلبه هو الإيجار العادل، والحق في إنهاء العلاقة الإيجارية والتي طالت لفترة طويلة، لافتًا إلى أن مشروع التعديلات المقدم من أحد النواب في البرلمان والتي تتضمن رفع القيمة الإيجارية إلى سعر وقية الفضة بحيث يتم دفع قيمة وقية الفضة بسعر اليوم وجعلها كمقياس للقيمة الإيجارية، وهذا الكلام قوبل بترحيب لملاك العقارات، والجزء الثاني من التعديلات قد تطرق إلى استحقاق المالك في عودة “العين المؤجرة” المغلقة لمدة ثلاث سنوات من قبل المستأجر، الأمر الذي يغلق على المستأجر باب الابتزاز والضغط على المالك مقابل إخلائها.

وأضاف، أن مشروع التعديلات تتطرق أيضا إلى قرار إخلاء العين المؤجرة من ورثة المستأجر بعد قضاء 60 عاما، متسائلا: كيف ستكون حالة العين بعد هذه المدة بلا صيانة؟، كذلك أيضا الحديث عن الإيجار الجديد وهذه الدائرة التي نريد أن نخرج منها، لافتًا إلى أن عزوف الكثيرين في الوقت الحالي عن اللجوء للإيجار الجديد أو الإيجار القديم -لما بعد القانون رقم 4 لسنة1996-، ويرجع ذلك إلى تدخل المشرع بين المالك والمستأجر، وكذلك إعادة المشكلة من جديد لأن هناك الكثيرين من استثمروا استثمارات عملاقة في العقارات، والتطرق لمشروع تعديلات فيما تعلق بالإيجار القديم أو الجديد في تلك النقطة سيحدث مشكلة في سوق العقارات، لأنهم سيقومون بإخطارات بعدم التجديد ثم بيعها فالأفضل عدم التفكير في تعديل قانون 4 لسنة 1996.

قانون الإيجار القديم

وأشار بدير، إلى أن قانون الإيجار القديم – ماقبل 1996- به مشكلتين وهما ” ثبات القيمة الإيجارية و امتداد العلاقات الإيجارية”، لو تم حل مشكلة رفع القيمة الإيجارية برفع قيمتها سيتم حل المشكلة الثانية وهي عدم امتداد العلاقة الإيجارية مع الوراثة حيث يفضل السكن في عقار من طراز حديث، أو عند التعديل لرفع القيمة الإيجارية وهي قيمة إيجارية عادلة، فعند الحصول على قيمة إيجارية عادلة من مصلحتي هي استمرار إيجار العين، موضحًا أن هناك 6% من إجمالي الواحدت مؤجرة ب قانون الإيجار القديم -ما قبل 1996- بواقع 1.8 مليون وحدة متنوعة ما بين سكنية وتجارية، الأمر الذي يعد هدر للثروة العقارية والتي يمكن أن تدر دخل إلى خزينة الدولة، فعلى سبيل المثال نجد أن أملاك الأوقاف وحدها تقدر بتريليون و370 مليار جنيه فلو تم أخذ 5% منها ستحصل الدولة على 50 مليار جنيه في العام الواحد، فضلا عن الضرائب العقارية والضربية المترتبة على تأجير الثروة العقارية وتقدر بـ 70 مليار جنيه وهنا يكون الإجمالي الذي يمكن أن تستفيسد به خزينة الدولة 120 مليار جنيه سنويا، ويمكن أن الدولة تتكفل بالفارق لأصحاب المعاشات والأرامل والمطلقات وهم يقدروا بـ 4 مليار جنيه نقوم بطرحها من 120 مليار والباقي لخزينة الدولة.

تشوه هيكلي

وفي السياق ذاته، يقول الدكتور وليد جاب الله خبير التشريعات الاقتصادية، أنها ليست هذه هي المرة الأولى التي يتقدم بها عضو أو مجموعة أعضاء من مجلس النواب بمشروع قانون لتعديل أحكام قانون الإيجار القديم ، ومع عدالة مطالبات أصحاب عقارات الإيجار القديم إلا أنهم دائما يتم تأجيل قضاياهم لتوقيت مناسب لا يأتي أبدا، وتقف المحاولات عند مرحلة المقترحات التي تواجة بحرب من أصحاب المصالح في استمرار هذا الوضع الذي لا يسبب خسائر للملاك فقط ولكن الخسائر وصلت لحق الله عز وجل فيما تدره أملاك الأوقاف التي أوقفها أصحابها لأعمال الخير وليس لتأجيرها بصورة رمزية تتعارض مع مصارف الوقف الشرعية، مضيفًا أن الإيجار القديم يخلق تشوه هيكلي كبير في سوق العقارات سواء السكني أو لغير غرض السكن حيث نشاهد الشباب يدفع نفقات سكن وإيجار للأنشطة أضعاف حالات الإيجار القديم مما يخلق منافسة غير عادلة يترتب عليها غلق الكثير من الأنشطة.

منافسة عادلة

ويرى جاب الله، أنه في ظل وجود عشرات من التعديلات والمقترحات بلجنة الإسكان لن أتوقف كثيرا حول مضمون التعديل المقترح، وإذا توافرت إرادة الحل فإنه يمكن دمج كل المقترحات في صياغة شاملة بعد مناقشة وحوار باللجنة يكون محدد تاريخ بدايته ونهايته حتى لا يترك الأمر للمجهول، لافتًا إلى أن التصدي لهذه القضية يحل أزمة ملايين من الملاك وورثتهم جعلتهم يعيشون في حالة تشكك وشعور دائم بالظلم، كما سيساهم الحل في علاج التشوه الهيكلي في سوق الإسكان ويخلق منافسة عادلة بين الأنشطة، فضلا عن أنه سيفتح الباب لترميم وصيانة تلك العقارات التي إن لم تحل مشكلتها، ونراها تظل بدون صيانة حتى تنهار وهو أمر يفقد الدولة جانب ثروتها العقارية.

اترك رد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *